فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ}:
الهاءُ تعودُ على القرآنِ، وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ للعِلْمِ به. وتنزيل بمعنى مُنَزَّل، أو على حَذْفِ مضافٍ أي: ذو تنزيل.
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)}.
قوله: {نَزَلَ}: قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص {نَزَل} مخففًا. و{الروح الأمين} مرفوعان على إسنادِ الفعلِ للروحِ، والأمينُ نعتُه، والمرادُ به جبريل. وباقي السبعة بالتشديدِ مبنيًا للفاعل، وهو اللهُ تعالى. {الروحَ الأمينَ} منصوبان على المفعولِ. و{الروحُ الأمينُ} مرفوعان على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه. و{به} إمَّا متعلِّقٌ ب {نَزَلَ} أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ.
قوله: {على قَلْبِكَ لِتَكُونَ}: قال الشيخ: الظاهرُ تعلُّقُ {على قلبِك} و{لتكون} ب {نَزَل} ولم يَذْكُرْ ما يقابلُ هذا الظاهرَ. وأكثرُ ما يُتَخيل أنَّه يجوزُ أن يتعلقا ب تنزيل أي: وإنه لتنزيلُ ربِّ العالمين على قلبك لتكون. ولكنْ فيه ضَعْفٌ من حيث الفصلُ بين المصدرِ ومعموله بجملة {نَزَلَ به الروحُ} وقد يُجاب عنه بوجهين، أحدُهما: أنَّ هذه الجملةَ اعتراضيةٌ وفيها تأكيدٌ وتسديدٌ، فليسَتْ بأجنبية. والثاني: الاغتفارُ في الظرفِ وعديلِه. وعلى هذا فلا يَبْعُدُ أن يجيءَ في المسألةِ بابُ الإِعمالِ؛ فإنَّ كُلًا من تنزيل و{نَزَل} يطلبُ هذين الجارَّيْن.
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)}.
قوله: {بِلِسَانٍ}: يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب المُنْذِرين أي: ليكونَ من الذين أَنْذَرُوا بهذا اللسانِ العربيِّ وهم: هودٌ وصالحٌ وشعيبٌ وإسماعيلُ ومحمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم. ويجوز أن يتعلَّقَ ب {نَزَلَ} أي: نَزَلَ باللسانِ العربيِ لتنذرَ به؛ لأنه لو نَزَلَ بالأعجمي لقالوا: لِمَ نَزَل علينا ما لا نفهمُه؟ وجَوَّز أبو البقاء أن يكون بدلًا من {به} بإعادةِ العاملِ قال: أي: نَزَلَ بلسانٍ عربيّ أي: برسالة أو لغة.
قوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ}: أي: وإن القرآنَ. وقيل: وإن محمدًا. وفيه التفاتٌ؛ إذ لو جرى على ما تقدَّم لقيل: وإنَّك لفي زُبُر. وقرأ الأعمش {زُبْرِ} بسكون الباء، وهي مخففةٌ من المشهورةِ.
قوله: {أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً}: قرأ ابن عامر {تكن} بالتاء مِنْ فوقُ {آيةٌ} بالرفع. والباقون {يكنْ} بالياء مِنْ تحتُ {آيةً} بالنصب. وابن عباس {تكن} بالتاء مِنْ فوقُ و{آيةً} بالنصبِ. فأمَّا قراءةُ ابن عامرٍ ف {تكون} تُحتمل أَنْ تكونَ تامةً، وأَنْ تكونَ ناقصةً. فإن كانَتْ تامةً جاز أن يكونَ {لهم} متعلقًا بها، و{آيةٌ} فاعلًا بها. و{أَنْ يعلَمَه} إمَّا بدلٌ مِنْ آية، وإمَّا خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: أو لم يَحْدُثْ لهم علامَةُ عِلْمِ علماءِ بني إسرائيل.
وإنْ كانَتْ ناقصةً جاز فيها أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ يكونَ اسمُها مضمرًا فيها بمعنى القصةِ، و{آيةٌ أَنْ يَعْلَمَه} جملةٌ قُدِّم فيها الخبرُ واقعةٌ موقعَ خبر {تكن}.
الثاني: أن يكونَ اسمُها ضميرَ القصةِ أيضًا، و{لهم} خبرٌ مقدمٌ، و{آيةٌ} مبتدأٌ مؤخر، والجملةُ خبر {تكن} و{أَنْ يعلَمَه}: إمَّا بدلٌ من {آيةٌ}، وإمَّا خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي أَنْ يعلَمه. الثالث: أَنْ يكونَ {لهم} خبرَ {تكنْ} مقدَّمًا على اسمها، و{آيةٌ} اسمُها و{أَنْ يعلَمَه} على الوجهين المتقدِّمين: البدليةِ وخبرِ ابتداءٍ مضمرٍ. الرابع: أَنْ يكونَ {آيةٌ} اسمَها و{أَنْ يعلمَه} خبرُها. وقد اعتُرِضَ هذا: بأنه يَلْزَمُ جَعْلُ الاسمِ نكرةً، والخبرِ معرفةً. وقد نصَّ بعضُهم على أنه ضرورةٌ كقوله:
ولا يَكُ مَوْقِفٌ منكِ الوَداعا

وقوله:
يكون مزاجَها عَسَلٌ وماءُ

وقد اعتُذِر عن ذلك: بأنَّ {آية} قد تخصَّصَتْ بقوله: {لهم} فإنه حالٌ منها، والحال صفة، وبأن تعريفَ الجنسِ ضعيفٌ لعمومه. وهو اعتذارٌ باطلٌ ولا ضرورةَ تَدْعُو إلى هذا التخريجِ، بل التخريجُ ما تقدم.
وأمَّا قراءةُ الباقينَ فواضحةٌ جدًا ف {آيةً} خبرٌ مقدمٌ، و{أَنْ يَعْلَمه} اسمُها مؤخرٌ، و{لهم} متعلِّقٌ بآية حالًا مِنْ {آية}.
وأمَّا قراءةُ ابنِ عباس فكقراءةِ {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهم إلاَّ أَنْ قَالوا} [الأنعام: 23] وكقول لبيد:
فمضَى وقدَّمها وكانت عادَةً ** منه إذا هي عَرَّدَتْ إقدامُها

إمَّا لتأنيثِ الاسمِ لتأنيِث الخبر، وإمَّا لأنه بمعنى المؤنث. ألا ترى أنَّ {أَنْ يعلَمَه} في قوةِ المعرفةِ وإلاَّ أَنْ قالوا في قوة مقالتهم وإقدامها بإقدامتها.
وقرأ الجحدريُّ: {أَنْ تعلمَه} بالتاء من فوق. شَبَّه البنين بجمع التكسير في تغيُّر واحدِه صورةً، فعامَلَ فعلَه المسندَ إليه معاملةَ فعلِه في لَحاقِ علامةِ التأنيثِ. وهذا كقوله:
قالَتْ بنو عامرٍ خالُوا بني أَسَدٍ ** يا بؤسَ للجَهْلِ ضَرَّارًا لأَقْوامِ

وكتبوا في الرسم الكريم {عُلَمؤا} بواو الميمِ والألف. قيل: هو على لغة مَنْ يُميل الألفَ نحو الواوِ، وهذا كما فُعِلَ في الصلاةِ والزكاةِ.
{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198)}.
قوله: {الأعجمين}: قال صاحب التحرير: الأعْجَمين جمع أعجمي بالتخفيف. ولولا هذا التقديرُ لم يَجُزْ أَنْ يُجمعَ جَمْعَ سلامةٍ قلت: وكان سببُ مَنْعِ جمعهِ: أنه من بابِ أَفْعَل فَعْلاء كأَحْمر حَمْراء. والبصريون لا يُجيزون جَمْعَه جمعَ سلامة إلاَّ ضرورةً كقوله:
حلائلَ أَسْوَدِيْنَ وأَحْمَرينا

فلذلك قَدَّره منسوبًا فخففَ الياء. وقد جعله ابنُ عطية جمعَ أَعْجَم فقال: ألأَعْجَمون جمعُ أَعْجَمُ وهو الذي لا يُفْصِحُ، وإن كان عربيَّ النسبِ يقال له أعجمُ وذلك يقال للحيوانات. ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «جُرْحُ العجماء جُبار» وأسند الطبريُّ عن عبدِ الله بن مطيع: أنه كان واقفًا بعرفةَ وتحته جَمَلٌ فقال: جملي هذا أعجمُ، ولو أنه أُنْزِل عليه ما كانوا يُؤْمِنون. والعَجَمِيُّ: هو الذي نِسْبَتُه في العَجَمِ، وإن كان أفصحَ الناسِ.
وقال الزمخشريُّ: الأعجمُ: الذي لا يُفْصِحُ، وفي لسانِه عُجْمَةٌ أو استعجامٌ. والأعجميُّ مثلُه، إلاَّ أنَّ فيه زيادةَ النسَبِ توكيدًا قلت: وقد تقدَّم نحوٌ مِنْ هذا في سورة النحلِ. وقد صَرَّح أبو البقاء بمَنْع أن يكون {الأعجمين} جمعَ أَعْجم وإنما هو جمعُ أعجمي مخففًا مِنْ أعجميّ كالأَشْعرون في الأشعري قال: {الأعجمين} أي: الأعجميين فحذف ياءَ النسب كما قالوا: الأشعرون أي: الأشعريُّون، وواحدُه أعجمي، ولا يجوز أن يكونَ جمعَ أعجم لأنَّ مؤنثَه عَجْماء. ومثلُ هذا لا يُجْمَعُ جَمْعَ التصحيح.
قلت: وقد تقدَّم ذلك. ففيما قال ابنُ عطية نظرٌ. وأمَّا الزمخشري فليس في كلامِه أنه جمع أَعْجم مخففًا أو غيرَ مخففٍ، وإنْ كان ظاهرُه أنَّه جمع أعجم مِنْ غيرِ تخفيفٍ. ولكن الذي قاله ابن عطية تَبِعَ فيه الفراء فإنه قال: الأعجمين جمعَ أَعْجم أو أعجمي على حَذْفِ ياءِ النِّسَبِ كما قالوا: الأشعرين وواحدهم أشعري. وأنشد للكميت:
ولو جَهَّزْتَ قافيةً شَرُوْدا ** لقد دَخَلَتْ بيوتَ الأَشْعَريْنا

لكنَّ الفراء لا يَضُرُّه ذلك فإنه من الكوفيين. وقد قَدَّمْتُ عنهم أنهم يُجيزون جمع أَفْعَل فَعْلاء.
وقرأ الحسن وابن مقسم {الأَعْجميِّين} بياءَي النسب، وهي مؤيدةٌ لتخفيفِه منه في قراءةِ العامَّة.
قوله: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ}: أي: مثلَ ذلك، أو الامر كذلك. والضمير في {سَلَكْناه} عائدٌ على القرآن وهو الظاهرُ أي: سلكناه في قلوبِ المجرمين، كما سَلَكْناه في قلوبِ المؤمنين. ومع ذلك لم ينجَعْ فيهم. وقيل: عائدٌ على التكذيبِ أو الكفر.
قوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}: في الجملةِ وجهان، أحدُهما: الاستئنافُ على جهةِ البيانِ والإِيضاح لِما قبله. والثاني: أنها حالٌ من الضمير في {سَلَكْناه} أي: سَلَكْناه غيرَ مُؤْمَنٍ به. ويجوز أن يكونَ حالًا من {المجرمين} لأنَّ المضافَ جزءٌ من المضافِ إليه.
قوله: {فَيَأْتِيَهُم}: و{فيقولوا} عطفٌ على {يَرَوْا}. وقرأ العامة بالياءِ مِنْ تحتُ. والحسن وعيسى بالتاء مِنْ فوقُ. أَنَّث ضميرَ العذابِ لأنَّه في معنى العقوبة. وقال الزمخشري: أنَّثَ على أن الفاعل ضميرُ الساعة. وقال الزمخشري: فإن قلتَ: ما معنى التعقيب في قوله: {فَيَأْتِيَهم}؟ قلت: ليس المعنى التعقيبَ في الوجود، بل المعنى تَرَتُّبُها في الشدَّة. كأنَّه قيل: لا يُؤْمِنُون بالقرآنِ حتى تكونَ رُؤْيَتُهم العذابَ فما هو أشدُّ منها. ومثالُ ذلك أن تقول: إنْ أسَأْتَ مَقَتَك الصالحون فَمَقَتَك اللهُ، فإنَّك لا تَقْصِدُ بهذا الترتيب أنَّ مَقْتَ اللهِ بعد مَقْتِ الصالحين، وإنما قَصْدُك إلى ترتيبِ شدَّةِ الأمرِ على المسيء.
وقرأ الحسن {بَغَتَةً} بفتحِ الغين.
قوله: {أَفَرَأَيْتَ}: قد تقدَّمَ تحقيقُه. وقد تنازَعَ {أفرأيت} و{جاءهم} في قوله: {ما كانوا يُمَتَّعون} فإن أَعْمَلْتَ الثاني وهو {جاءهم} رَفَعْتَ به {ما كانوا} فاعلًا به، ومفعولُ {أرأَيْتَ} الأولُ ضميرُه، ولكنه حُذِفَ، والمفعولُ الثاني هو الجملةُ الاستفهاميةُ في قوله: {ما أَغْنَى عنهم} ولابد مِنْ رابطٍ بين هذه الجملةِ وبين المفعولِ الأولِ المحذوفِ، وهو مقدَّرٌ، تقديره: أفرأيْتَ ما كانوا يُوْعَدُون ما أغنى عنهم تَمَتُّعُهم، حين حَلَّ أي: الموعودُ به. ودَلَّ على ذلك قوةُ الكلامِ. وإنْ أَعْمَلَتْ الأولَ نصبْتَ به {ما كانوا يُوْعَدُون} وأَضْمَرْتَ في {جاءهم} ضميرَه فاعلًا به. والجملةُ الاستفهاميةُ مفعولٌ ثانٍ أيضًا. والعائدُ مقدرٌ على ما تقرَّرَ في الوجهِ قبلَه، والشرطُ معترضٌ، وجوابُه محذوفٌ. وهذا كلُّه مفهومٌ مما تقدَّم في سورةِ الأنعامِ، وإنما ذكرْتُه هنا لأنه تقديرُ عَسِرٌ يحتاج إلى تأمُّلٍ وحسنِ صناعةٍ، وهذا كلُّه إنَّما يتأتى على قولِنا: إنَّ {ما} استفهاميةٌ، ولا يَضُرُّنا تفسيرُهم لها بالنفي، فإن الاستفهامَ قد يَرِدُ بمعنى النفي. وأمَّا إذا جَعَلْتَها نافيةً حرفًا، كما قال أبو البقاء، فلا يتأتى ذلك؛ لأنَّ مفعولَ {أرأيت} الثاني لا يكونُ إلاَّ جملةً استفهاميةً كما تقرَّر غيرَ مرة.
قوله: {مَآ أغنى}: يجوز أَنْ تكونَ {ما} استفهاميةً في محلِّ نصبٍ مفعولًا مقدَّمًا، و{ما كانوا} هو الفاعلُ، و{ما} مصدريةٌ بمعنى: أيُّ شيءٍ أغنى عنهم كونَهم متمتِّعين. وأَنْ تكونَ نافيةً والمفعولُ محذوفٌ أي: لم يُغْنِ عنهم تمتُّعُهم شيئًا.
وقرىء {يُمْتَعُون} بإسكانِ الميم وتخفيف التاءِ، مِنْ أَمْتَع اللهُ زيدًا بكذا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)}.
كلامُ اللَّهِ العزيز مُنَزّلٌ على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم في الحقيقة بسفارة جبريل عليه السلام. والكلامُ من الله غيرُ منفصل، وبغير الله غير متصل، وهو- على الحقيقة لا على المجاز- مُنَزّلٌ. ومعناه أن جبريل- عليه السلام- كان على السماء. فَسمِعَ من الربِّ، وحَفِظَ ونَزَلَ، وبَلَّغَ الرسولَ. فَمَرََّةً كان يُدْخِلُ عليه حالةً تأخذه عنه عند نزول الوحي عليه. ثم يُورِدُ جبريلُ ذلك على قلبه. ومرةً كان يتمثل له المَلَكُ فيُسْمِعهُ. والرسولُ صلى الله عليه وسلم يحفظه يُؤدِّبه. والله- سبحانه ضَمِنَ له أنه سيُقْرِؤُه حتى لا ينساه. فكان يجمع اللَّهُ الحِفْظَ في قلبه. ويُسَهِّلُ له القراءةَ عند لفظه. ولمَّا عَجَزَ الناسُ بأجمعهم عن معارضته مع تحدِّيه إياهم بالإتيان بمثله، عُلِمَ صِدْقُه في أنَّه مِنْ قِبَلِ الله.
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)}.
جميعُ ما في هذا الاكتاب من الأخبار والقصص، وما في صفةِ الله من استحقاق جلاله- موافِقٌ لمِا في الكتب المُنَزَّلة من قِبَلِ الله قَبْلَه، فمهما عارضوه فإنه كما قال جلَّ شأنه: {لا يَأَْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42].
ثم أخبر أنه لو نَزَّل هذا الكتابَ بغير لسانهم وبلغةٍ غير لغتهم لم يهتدوا إلى ذلك، ولَقَالوا: لو كان بلساننا لعرفناه ولآمَنَّا به، فازاح عنهم العِلَّةَ، وأكّد عليهم الحُجَّة.
ثم أخبر عن صادق عِلْمِه بهم، وسابِق حَكْمِه بالشقاوة عليهم، وهو أنهم لا يؤمنون به حتى يَرَوْا العذابَ في القيامة، حين لا ينفعهم الإيمانُ ولا الندامةُ.
{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)}.
إن أرخينا المُدَّةَ، وأمهلناهم أزمنةً كثيرة- وهم بوصف الغفلة- فما الذي كان ينفعهم إذا أخَذَهُم العذابُ بغتةّ؟!
ثم أخبر أنه لم يُهْلِكَ أهلَ قريةٍ إلاّ بعد أن جاءهم النذيرُ وأظهر لهم البيناتِ، فإذا أصَرُّوا على كُفْرِهم عَذّبهم. اهـ.